مقالات وأراء

وزير الأوقاف يكتب .. جرائم قد ترقى للقتل

الجريمة جريمة ، والقتل قتل ، وقتل النفس إرهابًا كقتلها إهمالاً أو غشًا ، فالمحصلة هي القتل ، وقد يكون القتل البطئ أشد نكاية وجرمًا وفتكًا وتدميرًا وتعذيبًا من القتل الناجز ، وإذا كان القرآن الكريم قد تحدث عن القصاص العادل في قوله تعالى : ” وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْأُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” (البقرة :179)، فإن هذا القصاص يشمل المدبر والممول والمنفذ على حد سواء.

ومن الجرائم التي ترتقي للقتل ، بل قد تصل إليه بالفعل بحكم أنها قد تؤدي إليه ، هي الغش في الطعام أو الغش في الدواء وما في حكمهما ؛ وقد شدد الإسلام النكير على الغش والغشاشين , فقال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” من غشنا فليس منا ” ، وفي رواية : “من غش أمتي فليس مني ” ، وفي رواية : ” من غش فليس مني ” ، وفي هذه الرواية الأخيرة التي وردت بحذف المفعول ما يؤكد على عموم حرمة الغش ، وكما حرم الإسلام الغش في النوع حرم الغش في المقدار ، فقال سبحانه وتعالى : ” وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ” (المطففين : 1-5).

وقد حذر نبي الله شعيب (عليه السلام) قومه من بخس الناس أشياءهم والتطفيف في المكيال والميزان ، كما حكى القرآن الكريم ذلك عنه في قوله :” وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأََرْضِ مُفْسِدِينَ”(هود : 85).

فالذي يغش الناس آكل للسحت ومفسد للمجتمع ؛ لأنّ الواجبَ على البائع الصدقُ في بيعه وشرائه وسائر تعاملاته ، فلا يخدَع ولا يغشَّ ولا يخون ، فإن دلَّس وغشَّ وخان كان آكلاً للسحت مدمرًا لنفسه في الدنيا والآخرة .

ومن أخطر أنواع الغش العمل على ستر عيوب السلع وإخفائها تدليسًا على المشتري ؛ وقد نهى نبينا  (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك , حيث ” مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا ، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً ، فَقَالَ : ( يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ، مَا هَذَا ؟) ، قَالَ : أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : (أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ) ، ثُمَّ قَالَ : (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا).

فعلى الإنسان أن يراقب الله (عز وجل) قبل أن يراقب الناس , كهذه الفتاة التي طلبت منها أمها أن تمزج اللبن بالماء ، فقالت لها : يا أماه أو ما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب اليوم ? قالت : وما كان من عزمته يا بنية? قالت : إنه أمر مناديه فنادى أن لا يشاب اللبن بالماء ، فقالت لها : يا بنية قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء ، فإنك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر ، فقالت الصبيَّة لأمها : يا أُمَّاه والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء ، كل ذلك وأمير المؤمنين يستمع، وقد سره أمانة الفتاة ، وضميرها الحي ، فاختارها زوجة لابنه عاصم ، وكان من ذريتها الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) .

      ونذكر أيضًا بما كان من ذلك الراعي الذي قال له عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : بعني شاة من هذه الغنم ، فقال : إني مملوك وهذه الغنم لسيدي ، فقال عمر : – اختبارا له- قل لسيدك أكلها الذئب ، فقال الراعي : إذا قلت لسيدي هذا ؟ فماذا أقول لربي يوم القيامة ؟ فبكى عمر بن الخطاب ، واشترى هذا العبد من سيده وأعتقه ، وقال:  أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة ، وأرجو أن تعتقك في الآخرة  .

مع تأكيدنا على أن كل من يتستر على غشاش فهو شريك له في جرمه , وأن على المجتمع أن يتعاون في وأد كل ألوان الفساد , والتي يأتي في مقدمتها الغش بصفة عامة  والغش في الطعام والدواء بصفة خاصة.

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »